غريب في وطني
محمد البكر
• يمضي المواطن البسيط ساعاته يتجول بين الاسواق ويوزع نظراته على المطاعم الكبيرة ويرفع رأسه ليحاول ان يرى نقطة النهاية في أحد الابراج العالية ويتخيل نفسه لو كان مالكا لهذا العقار او تلك السيارة الفارهة التي تقف أمامه.
• في لحظة غفوته هذه وفي خضم احلام اليقظة التي يعيشها يصحو فجأة على صوت قوي مصدره السيارة (المقربعة) التي يقودها فإذا به يشهق خوفا من الرجل الذي يقف أمام بيته!!! انه مالك البيت واللحظة هذه هي لحظة قبض الايجار.
• ينظر الى كرسي السيارة المجاور فاذا بربطة الخبز التي سيأخذها الى بيته حيث بطون اطفاله تنتظر على أحر من الجمر وكم تمنى لو كان بيده الخيار بين لحظة قبض الايجار ولحظة قبض الأرواح لكان اختار ان يتوقف قلبه قبل ان يشعر بتلك المهانة والإذلال الذي ينتظره على عتبة الدار التي كان من المفروض ان يشعر عندها بالأمن والامان.
• هذا المواطن البسيط ذرفت عيناه دمعا لن يراه أحد وحتى لو رأوه لما حرك فيهم شعرة ولما غير من حقيقة الامر شيئا !! في تلك اللحظة نسي الأبراج العالية والمطاعم الفاخرة وعاد من نشوه أحلام اليقظة إلى واقع قسوة الحياة وألم الذل.
• لم يكن هذا المواطن البسيط يحتاج الى كماليات لتسعد حياته و لا الى فرصة ليزور معالم الدنيا او حتى يرى قرى ومدن وطنه الكبير، كما لم يكن مهما ولا واردا في ذهنه أن يقضي ساعة او ساعتين على طاولة فاخرة في أحد المطاعم الكبيرة.
• لاهذا ولا ذاك يشغله في هذه الدنيا (عدا) ان يكون في بلده التي ولد فيها ونشأ وترعرع في ازقتها وقضى ايام طفولته في احيائها (غريبا) بلا ارض يملكها او بيت يؤويه ويحمي اهله وذويه من غد لايعلمه الا خالق هذا الكون العظيم.
• ليس مهما ان كان البيت على شارعين أو نافذاً , كما لا فرق لديه إن كان من دور أو دورين أو إن كان في حي راق او في شقة في أحد الشوارع (المنسية) رسميا واجتماعيا.. انما المهم ان يضع رأسه على وسادته ويغلق باب مسكنه آمنا مطمئنا على نفسه وعلى أولاده بعد أن يختار الله أمانته.
• كل انسان في هذا الوطن لايملك بيتا يؤويه ويحمي اهله من التشرد والضياع هو (غريب) في بلده ، وكل شخص لا تغمض عيناه وهو يفكر كيف يجمع الايجار ليدفعه لصاحب العقار هو شخص (مسكين مقهور).
• لا تلوموا الرجال ان هم بكوا من قهر الزمان، وظلم الأرض والأوطان.. فكيف لا تذرف عيونهم الدمع وهم على أعتاب القبور ينظرون إلى أبنائهم وأهلهم وهم يتخيلون كيف سيكون حالهم بلا أرض يبنون عليها آمالهم ولا جدران تحميهم أو سقف يؤويهم!!.
• لا تلوموا الرجال ان خارت قواهم وهم يسترجعون عشرات السنين التي مضت من أعمارهم ويوزعون نظراتهم بين شوارع وأرصفة مدنهم او قراهم دون ان يملكوا مترا واحدا من الأرض او حجرا صغيرا يؤكد انتماءهم لها ...
• عيونهم زائغة وكأنهم لا يعرفون هؤلاء الناس الذين يعيشون بينهم ! وعقولهم تطرح السؤال تلو السؤال كيف يستطيع انسان واحد ان يملك عشرات الآلاف بل مئات الآلاف من الأمتار بينما هم قابعون ضائعون مشردون بين هذه الشوارع دون ان يملكون قطعة صغيرة يبنون عليها بيتا يحميهم وأبناءهم!!.
• قلوب مرتجفة من خوف لغد لا يرحم وهي تلوم أصحابها لماذا تتقرب لمن يملك القرارات وصاحب الصلاحيات ، ولماذا يبخل عليه الوطن بقطعة ارض صغيرة لا تمثل شيئا من مساحاته الشاسعة فنحن لسنا في أوروبا ولا في اليابان ولسنا جزيرة في بحر انما نحن في شبه قارة مترامية الأطراف.
• المواطن البسيط لا يبحث عن قطعة ايسكريم ولا شوكولاتة ولا لباس من حرير ولا ذهب او زمرد ولا يهمه ان ركب سيارة فاخرة او سيارة (مقربعة) ولايعنيه ان سافر فلان الى جنيف او قضى سهرته في موناكو بقدر ما يهمه ان يموت وتسلم روحه الى بارئها وأهله وأطفاله يعيشون بين جدران وتحت سقف يملكونه ويجتمعون بداخله.
• يا وطني العزيز لا تكن قاسيا اكثر من ذلك فلقد بات بكاء الرجال مسموعا في كل حي (منسي). ولكم تحياتي.